700 مليون أمّي حول العالم لا يستطيع أغلبهم الاستفادة من مزايا تكنولوجيا الهاتف المحمول
عندما طلبنا من صديقتنا الجديدة أيساتو -التي تعيش في قرية ريفية في غينيا بغرب أفريقيا– أن تسجل أرقام هواتفنا على هاتفها المحمول لكي نحافظ على التواصل معها، ردت علينا قائلةً بلغة السوسو: “لا أستطيع، لأنني لم أرتد المدرسة”، لا تستطيع أيساتو قراءة اللغة الفرنسية أو الكتابة بها؛ لأنها لم تتلقَّ تعليمًا رسميًّا، لكننا نؤمن بأن حرمان أيساتو من تلقِّي التعليم المدرسي لا يجب أن يمثِّل عائقًا يمنعها من الانتفاع بالخدمات الأساسية المتاحة في هاتفها، والمشكلة من وجهة نظرنا هي أن هاتف أيساتو لا يفهم لغتها المحلية.
يجب أن تواكب نظم الحاسوب طرق استخدام الناس -كل الناس- للغات، يتحدث سكان غرب أفريقيا لغاتهم منذ آلاف السنين، وقد أنتجوا بهذه اللغات تراثًا شفهيًّا ثريًّا أفاد مجتمعاتهم عن طريق إحياء قصص الأجداد، والآراء التاريخية، ونقل المعرفة والأخلاق من جيل إلى آخر، ويمكن لأجهزة الحاسوب بسهولة أن تدعم هذا التراث الشفهي؛ فعلى الرغم من أن الحواسيب تُصَمَّم عادةً لتُستَخدَم مع اللغات المكتوبة، فإن التكنولوجيا القائمة على الكلام المنطوق موجودة بالفعل، غير أن هذه التكنولوجيا لا “تتحدث” بأيٍّ من اللغات أو اللهجات التي يتحدث بها الأفارقة والتي يبلغ عددها ألفي لغة؛ فتطبيق “سيري” الذي طورته شركة “أبل”، أو “مساعد جوجل”، أو المساعد “أليكسا” من أمازون، كلها لا يخدم أيًّا من اللغات الأفريقية.
وفي الواقع فإن أغلب الأميين البالغ عددهم 700 مليون فرد حول العالم لا يستطيعون الاستفادة من تكنولوجيا الهاتف المحمول؛ إذ ينحصر استخدامهم له في الاستخدامات البسيطة كالرد على المكالمات الهاتفية، دون الاستفادة من وظائفه الأخرى وإن كانت بسيطة، مثل إدارة جهات الاتصال، أو إرسال رسالة نصية، ولأن الأمية تعني في المعتاد عدم نيل أي قدر من التعليم المدرسي، وبالتالي عدم القدرة على التحدُّث بإحدى لغات العالم شائعة الاستخدام، فإن تكنولوجيا التعرف على الكلام غير متاحة لمَن هم في أمسِّ الحاجة إليها، وفي حالة هؤلاء، قد تستطيع تكنولوجيا التعرُّف على الكلام سد الفجوة بين الأمية والقدرة على الوصول إلى المعلومات والخدمات القيمة، بدءًا من المعلومات الزراعية ووصولًا إلى الرعاية الطبية.
لماذا إذًا لا تتوافر منتجات تكنولوجيا التعرُّف على الكلام باللغات الأفريقية وبغيرها من اللغات المحلية؟ غالبًا ما تكون اللغات التي يتحدث بها أعداد قليلة نسبيًّا من الناس ضحيةً للأولويات التجارية، إضافةً إلى هذا، فإن أصحاب النفوذ في مجال الخدمات والمنتجات التكنولوجية عادةً ما يتحدثون باللغات المحدودة العدد ذاتها، مما يجعل من السهل عدم مراعاة الأشخاص ذوي الخلفيات المختلفة بما فيه الكفاية؛ فالمتحدثون بلغات كالتي ينتشر استخدامها في غرب أفريقيا لا يتمتعون إطلاقًا بالتمثيل الكافي في المختبرات البحثية، والشركات، والجامعات، التي طورت تكنولوجيا التعرُّف على الكلام عبر الزمن، ومن المعروف أن التقنيات الرقمية قد يكون لها آثار مختلفة على الأعراق المختلفة، فيمكن أن تفشل النظم التكنولوجية في توفير جودة الخدمات ذاتها لمختلِف المستخدمين، وقد تنظر إلى بعض الجماعات وكأنها لا وجود لها.
والأولويات التجارية، والنفوذ، وغياب التمثيل الكافي، كلها عوامل تفاقم من سوء تحدٍّ آخر مهم، ألا وهو: نقص البيانات؛ فتطوير تكنولوجيا التعرف على الكلام يتطلب وجود مجموعات ضخمة من البيانات المشروحة، غير أن اللغات التي يتحدث بها الأميون الذين سيحققون أكبر استفادة من تكنولوجيا التعرف على الأصوات في الغالب تصنف ضمن اللغات “قليلة المصادر”، التي لا تتوافر لها الكثير من مجموعات البيانات، على عكس اللغات “كثيفة المصادر”، وأكثر تقنيات معالجة مشكلة نقص البيانات تطورًا في الوقت الحالي هي تقنية “نقل التعلم”، وهي تقنية تقوم بنقل المعرفة المستقاة من اللغات كثيفة المصادر إلى مهمات تعلُّم الآلة الخاصة باللغات قليلة المصادر، غير أن البيانات المنقولة لا تكون مفهومة جيدًا، وهو ما يخلق حاجةً إلى أبحاث أكثر إمعانًا بشأن ما يجب التخلي عنه وما يجب الحفاظ عليه فيما يتعلق بملاءمة مجموعات البيانات المستخدمة لنقل التعلُّم، وحجمها، وجودتها، وكما هو واضح من وضع التكنولوجيا اليوم، فإن مئات الملايين من مستخدمي الإنترنت في العقد القادم لن يكونوا من المتحدثين باللغات التي تدعمها هواتفهم المحمولة.
وإذا تمكَّن هؤلاء المستخدمون من الوصول إلى خدمات الإنترنت، فلن يكون متاحًا لهم الاستفادة من مزايا الإشراف الآلي على المحتوى، وغيرها من وسائل الحماية التي يتمتع بها متحدثو اللغات الشائعة، بل إنه يصعب الحفاظ على أمن الناس على الإنترنت حتى في الولايات المتحدة حيث يحظى المستخدمون بالاهتمام وتعديل المحتوى لملاءمة السياق، وقد رأينا في ميانمار وفي غيرها من البلاد أن الانتشار السريع للمحتوى غير الخاضع للإشراف يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الشقاق الاجتماعي وزيادة فاعلية الأصوات المتطرفة التي تؤجج العنف، وتتجلى الإساءة التي تحدث عبر شبكة الإنترنت في صور مختلفة في “الجنوب العالمي”، وأغلب العاملين في مجال التصميم الذين هم من الغربيين، المتعلمين، الأغنياء، الديمقراطيين، الذين يعيشون في مجتمعات صناعية، والذين لا يفهمون اللغات المحلية وثقافاتها، غير مؤهلين للتنبؤ بالعنف والتمييز أو منعهما عندما يحدثان في سياقات ثقافية مختلفة عن ثقافتهم.